تشهد ليبيا نموا متسارعا في الطلب على الكهرباء والمياه الصالحة للشرب ذات تكلفة منخفضة حاليا وحسب الدراسات المتوفرة لدينا اليوم فإن الطلب على الكهرباء في ليبيا سيتعدى 115جيجا وات بحلول عام 2030 م عليه ما لم يتم إنتاج طاقة بديلة وتطبيق أنظمة للحفاظ على مصادر الطاقة
أقصد (البترول) فإن إجمالي الطلب على الوقود الخام لإنتاج الطاقة والصناعة والنقل والمياه سيرتفع بما يعادل 1,600 مليون وستمائة الف برميل في اليوم في عام 2010م الى ما يعادل 3 مليون برميل في اليوم مع حلول عام 2030م.
ولكي يتم بناء او انشاء برنامج يوفر كمية هائلة من الطلب المتزايد وتطوير المعرفة التقنية والمهارات والخبرات فإن ليبيا تحتاج الى مزج متوازن ومجدي بين الطاقات المتجددة + الطاقة النووية + الوقود الأحفوري حتى يكون فاعل وعملي وجدي اقتصاديا وبشكل مستدام وذلك لإنتاج الطاقة التي بدورها ستسمح بالحفاظ على مصادر ليبيا من النفط والغاز لمستقبل الأجيال القادمة.
وحتى اكون معكم صادقا يجب الاسراع في بناء او انشاء المدينة الليبية للطاقات المتجددة لكي تدرك ليبيا دورها المهم كمصدر اساسي للطاقة عالميا وتؤمن في الوقت نفسه مستقبل الأجيال القادمة من الطاقة وإطالة عمر النفط والغاز في ليبيا.
من هذا المنطلق هناك عدة تدابير يجب على أصحاب القرار والسلطات الليبية اتخاذها قبل الشروع في بناء مدينة الطاقات المتجددة والنووية في الجنوب الليبي وبالتحديد في منطقة ودان وهون ومن هذه التدابير التقليل من أقصى طلب على الطاقة عن طريق تحسين كفاءتها والحفاظ عليها والفوائد العائدة من توفير الوقود الخام والقضايا المتعلقة بالإنتاج مثل عوامل الحمل الإنتاجي والإدارة والتقنيات وادراك حدودها وكذلك القدرة على بناء إمكانيات من الموارد البشرية وإنشاء سلسلة منتجات دولية ودور ليبيا في قطاع الطاقة البديلة.
كما على الليبيين استيعاب ان إنتاج مصادر الطاقة البديلة سيضمن انخفاض ملحوظ في استخدام النفط لإنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه وبذلك ضمان طويل المدى لتوفير المنتجات الهيدرو كربونية لأغراض التصدير والتشغيل لمواد اولية تدعم الصناعة الوطنية الليبية في حالة وجودها عند الاخذ بعين الاعتبار الكثافة العالية للطاقة الشمسية في ليبيا والقدرة على استخدام الطاقة الحرارية وطاقة الرياح.
و بالتالي تظهر القدرة الاقتصادية المزدهرة في كافة قطاعات الطاقة المتجددة التي من شأنها التقليل من التأثير السلبي على البيئة، غير ان مصادر الطاقة البديلة تخضع لتقلبات ولهذا أنصح المزج بين مصادر الطاقة كافة خاصة في اوقات الذروة.
ولكي تتمكن ليبيا من توفير مقدار طلب كافي من الطاقة من المصادر المتجددة يجب العمل على دخول تقنية الطاقة المتجددة تدريجيا الى ليبيا بحيث يصبح 50% من إنتاج الكهرباء يعتمد على مصادر غير الوقود الخام (النفط) مع حلول 2040 ويجب ان نعتمد ونتبع في كافة برامجنا تطبيق كافة المعايير العالمية للشفافية والسلامة والأمن وتنفيذ جميع وسائل الحماية للأفراد والمنشآت وهذا يتطلب منا البقاء على تواصل دائم بالدول التي لديها برامج طاقة بديلة لنستفيد منها ونحصل على أفضل الخبرات والممارسات في صناعة الطاقات المتجددة.
ومن أحسن وأهم إيجابيات مشروع المدينة الليبية للطاقات المتجددة هو مساهمة هذه المدينة في تحسين التنمية الاقتصادية المحلية وذلك عن طريق توفير فرص العمل لليبيين وتطوير مهاراتهم وخبراتهم ولتحقيق هذه الاهداف ستستمر المدينة الليبية للطاقات المتجددة في البحث وتنمية الموارد البشرية من خلال التعليم والتدريب داخل ليبيا وخارجها وبالتالي يتواصل نقل المعرفة والخبرة لليبيا عليه سيبقى تواصل مدينة الطاقة المتجددة الليبية بالشركاء من افراد وغيرهم عن طريق التواصل المباشر والغير مباشر للتوعية بكل جوانب الأنشطة وذلك لتخطي أي صعاب وقلق وتخوف من كافة دول العالم.
و بما ان العالم يعتمد على الطاقة فإنه يتجه نحو اكتشاف مصادر مستدامة أكثر من استخدام الوقود الخام ( النفط) الذي يعد مصدرا ناضب ويجب ان لا تستثني ليبيا عن غيرها في رؤيتها وتوجهها لإيجاد مصادر الطاقة البديلة في اطار استراتيجية تعتمد على عدة مبادئ منها :-
- إنشاء مزيج كهربائي أمثل حول خيارات تكنولوجية ذات موثوقية وتنافسية ( بخصوص مصادر الطاقة خاصة الشمسية والريحية)
- تعبئة الموارد المحلية من خلال تطوير استخدام الطاقة المتجددة .
- تعزيز النجاعة الطاقية باعتبارها اولوية وطنية.
- التكامل المناطقي بين المدن والأرياف والضواحي عن طرق بناء محطات حرارية صغيرة جدا لتوليد الطاقة
وفي خضم ما يجري اليوم في ليبيا من مناقشات حول الطاقة وحقول النفط وعادة ما تكون متضاربة حول ما يجب اتخاذه لتطوير الاقتصاد الليبي حتى لا يعتمد على مصدر واحد (النفط) والاعتقاد السائد و الحقيقي والملموس بخصوص ذلك وهو معظم إمدادات الطاقة في ليبيا من الشمس والرياح غير أن تعثر الجهود في هذا المجال بسبب القضايا الأمنية والسياسية والبنية التحتية التي تمر بها ليبيا اليوم تؤخر انجاز مشروع مدينة متكاملة للطاقات المتجددة حيث الأمر لا يتعدى الوعود حتى اليوم.
وحقيقة الأمر مبادرة من هذا النوع تهدف الى تطوير سوق لتكنولوجيا الطاقات المتجددة والطاقة النووية جنوب المتوسط تأتي لتطمأن مستثمري العالم المتخوفين من الوضع السياسي والأمني في المنطقة ككل بالإضافة الى تخوفهم من أية انقطاعات في إمدادات المصادر التقليدية للنفط او الغاز كما هو حاصل في ليبيا حاليا.
وعلى الرغم من ذلك ليبيا يجب ان تلعب دورا قياديا في منطقة جنوب المتوسط في مجال الطاقات المتجددة ويكون لها الدور الريادي في هذا المجال عن طريق استثمار الأموال العائدة من النفط في قطاع الطاقات المتجددة خاصة الشمسية والرياح بالإضافة الى الطاقة النووية .
أما بخصوص الطاقة النووية في ليبيا على الرغم من أنها توفر مصدر موثوق من الكهرباء وخالي من الكربون وتزود العالم بحوالي 16% من احتياجاته من الطاقة الكهربائية وهي تحتاج الى قليل من الوقود وحسب معلومات الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) فإنه يوجد 433 محطة نووية مشغلة في 30 دولة في هذا العالم و65 مفاعل جديد تحت الانشاء وأكثر من 400 مفاعل مخطط له ولقد تم تقليل المخاطر بشكل ملحوظ بعد ظهور الجيل الثالث من المحطات النووية التي تتسم بفعالية أكبر وآمان أكثر في تصميمها وتساهم الطاقة النووية في تزايد فرص العمل عالية المستوى وتأسيس الكفاءات التقنية النووية وتهيئة الشباب ليصبح قياديا متمكنا خلال العقود القادمة وتسهم الطاقة النووية في تطوير العديد من المجالات الأخرى كالطب والزراعة والمعادن وتحلية المياه ويتم نشر الوعي العام عن أمن التجارب النووية وسلامتها والذي يعتبر في غاية الأهمية للعاملين في هذا المجال ولعامة الناس ايضا.
ورغم هذا ليبيا ليس في حاجة لبناء محطات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية نظرا لأنها دولة غير صناعية وعدد سكانها قليل وبناء المحطات النووية يحتاج الى كوادر ذات قدرات فنية وعلمية عالية المهارة نظرا لتعقيدها وخطورتها وهي باهظة الثمن مقارنة بمحطات الطاقة الشمسية والرياح بالإضافة الى ما يترتب من التزامات عن بناء المحطات النووية سوى كانت علمية وسياسية وأمنية داخلية وخارجية تتعدى حدود الدولة الليبية وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالسياسة الدولية خاصة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وما بها من التزامات من قوانين ومعاهدات وبروتوكولات.
وهذا لا يعني بالمطلق ان ليبيا لا يمكن ان تستفيد من الطاقة النووية في التنمية المستدامة خاصة في التجارب البحثية في مجال الصحة والزراعة والصناعة والمعادن والمياه واستغلال ما لديها اليوم من قدرات متواضعة سوى كانت بشرية او تكنولوجية في مفاعل تاجوراء لإنتاج النظائر المشعة التي تلعب دورا فاعلا في حل الكثير من المشاكل الصحية والزراعية والصناعية.
خلاصة هذا المقال تقودنا الى أن ليبيا تعتمد على حوالى 95% من احتياجاتها للطاقة من النفط والغاز بالتالي تحتاج للعمل جاهدة للحد من هذا الاعتماد على هذا المصدر من خلال الاعتماد على مشاريعها المحلية بما في ذلك الطاقة الشمسية والرياح كركيزة لسياسة الطاقة في ليبيا وتطبيق إستراتيجية للطاقة تهدف الى خفض الاعتماد على الوقود الاحفوري والحد من الاستنزاف الهائل من ميزانية البلاد.
و بالتالي تعتبر الطاقة المتجددة بكل اشكالها اولوية في استراتيجية الطاقة الليبية الذي يقوم على مزيج من الطاقة حيث يتم دمج انواع الوقود الأحفوري مع مصادر الطاقة المتجددة فضلا عن كفاءة استخدام الطاقة ويجب الاستعانة بجهود الشركاء الدوليين ووضع القوانين المساعدة على ذلك لرفع قدرة الطاقة المتجددة في ليبيا الى مستوى يضاهي الدول المجاورة والعالمية لكي تساعد على امتلاك التكنولوجيا والاقتصاد الداعم هذا ما نتمناه ولكن المهم حقا هو الإرادة السياسية لذلك المشروع الطموح للأجيال القادمة.
د. مفتاح محمود الزعيليك